الاثنين، 20 أكتوبر 2014

الغراب في بيتنا



تريثت كثيرا قبل أن أكتب هذا المقال فسوء الظن بطرف سياسي وفي هذا الوقت العصيب التي تمر به ليبيا ستكون له ارتدادات علي الضمير وعلي البلد وعلي الكاتب نفسه إذا ماترك لقلمه أن يكتب غير الحقيقة تلك الحقيقة التي نبحث عنها بين آلسنة النار وأكوام الجثث وركام البيوت المهدمة و في عيون الأمهات اللاتي ينتظرن عودة أبنائهن من جبهات القتال في الأحياء المجاورة
لقد ظلت ليبيا وخلال الثلاث السنوات الماضية توصف بالدولة الفاشلة من كبار السياسيين والمحللين والباحثين وهي في الحقيقة ليست كذلك فهي جغرافيا واقتصاديا واسكانيا ودينيا تعد دولة مثالية ونموذجية وفتية أيضا
عندما قامت الثورة ضد نظام القذافي كان الوضع المالي للدولة أكثر من جيد ...تصدير النفط كان في أعلي مستوياته وثمن البرميل تجاوز 100 دولار وكانت معظم الشركات الأجنبية تعمل بصورة طبيعية في مشاريع الإسكان و البنية التحتية كنا فقط نتطلع للحرية والعدالة والمساوة ورفع الظلم الاجتماعي وقد دفعنا من أجل ذلك كثير من الدماء والشهداء ومبتوري الأطراف فما الذي تغير ؟
في الحقيقة نحن استبدلنا نظام ظالم دكتاتوري بطبقة سياسية أرادت تختزل الثورة في ذاتها وأرادت أن تحكم ليبيا علي طريقة القذافي تحت مسميات كثيرة منها حماية الثورة من أزلام النظام السابق كما كان يفعل القذافي في بداية حكمه عندما استعمل مصطلح العنف الثوري في القضاء علي خصومه ..

في بداية الثورة كنا مجتمعين كمعارضه خارجية وداخلية وضباط جيش وعاطلين عن العمل ومظلومين ومضطهدين علي إسقاط القذافي ونظامه وبعد سقوطه بأشهر بدأت تظهر عوراتنا وبدأت الثورة تأكل أولادها وتغتال رجالها وتقتل شبابها وتكدس السلاح في مناطقها وكأنها تقرأ أو تتحسب على القادم من الأيام وظهرت دعوات لتقسيم البلاد ووضع آخرون أيديهم علي الثروات النفطية وحتى بيعه علي طريقة (تجار المفرط) وتحولت درنة إلي مركز للخلافة الإسلامية وبنغازي إلي منطقة نفوذ لباقي التيارات الإسلامية وغادر معظم رفاق السلاح البلاد ... منهم من حمل المال ومنهم من حمل الخيبة ومنهم من بدأ فى تشكيل معارضة جديدة
اليوم وبعد انقضاء أربع سنوات من الثورة لا تتجاوز قيمة الصادرات النفطية 600 ألف برميل وتم تدمير مطاري طرابلس وبنغازي ورحلت كل البعثات الدبلوماسية عن أرض الوطن وغادرت كل الشركات والمؤسسات الإقليمية والدولية البلاد نتيجة لتردي الأوضاع الأمنية
ولم تستطع النخب السياسية التي تولت مقاليد الحكم أن تؤسس دولة قوية ولا أن تبقي علي الدولة كما كانت قبل الثورة
سألت نفسي عن جدوى الحرب ومستقبلها وآفاقها ومداها وكيف بدأت ومن الذي بدأها ولماذا وأين يريد أن يصل بها ومتى فكر فيها ولماذا لم تكن بالأمس وماهي حجته و ودليله الشرعي والإنساني وهل لامست يداه كتب تتحدث عن الحروب الأهلية وأهوالها وسقمها ونتائجها ...

سألت نفسي هل أطلع هؤلاء علي خرائط الجغرافيا وكيف أن شعوبا انقرضت وأقواما اندثرت وطوائف ذابت نتيجة لحروب عبثية ..
سألت نفسي هل أطلع هؤلاء علي كتب التاريخ وعن الحروب الأهلية في روندا و يروندي و أنغولا وليبيريا وجنوب السودان ولبنان وحرب الألف يوم في كولومبيا التي دارت رحاها بين أنصار الحزب المحافظ ومؤيدي الحزب الليبرالي بسبب خلافات علي طبيعة السياسيات ..

نعم هكذا هي شرارة الحرب تبدأ من خلافات علي طبيعة السياسيات لتنتهي بدمار شامل وإبادة جماعية ....
بفضلكم أيها السادة غرقنا في الوحل فلم نعد نستطيع أن نبدل خطواتنا فوقعنا علي وجوهنا ثم داستنا أقدامكم البغيضة ..
بفضلكم أيها السادة هجرنا من بيوتنا ثم من مناطقنا ثم من وطننا فخرجنا هائمين تنتظرنا خيام النازحين ورغيف المنظمات الإنسانية وبطاطين الأمم المتحدة
بفضلكم أيها السادة فقدنا أدميتنا وإنسانيتنا وأمننا وسلامنا و روابينا الخضر ومآذن مساجدنا ودفئ شواطئنا وسكن الغراب بيوتنا المهجورة فصرنا شعب بلا دولة
لقد خرقتم السفينة التي نركبها حتى لا تصل إلي شاطئ الأمان وهو نوع من الاغتيال السياسي للمشروع الوطني ...
نحن ياســـادة لا نريد في هذا الوقف تحديدا اي مشاريع مرتبطة بالخارج في مكان ما فجميعها تضرب السيادة والوحدة الوطنية ..
نحن ياسادة نريد وقف الحرب اللعينة قبل أن يستشري داء التدخل الأجنبي في جسد الوطن ويفتح دفاتره القديمة وستكون هذه المرة مختلفة تماما عن حقبه الاستعمار الأولي لأنها جاءت بطلب من الدولة نفسها..
لاتحكموا الأجنبي فيما شجر بينكم وغلبوا المصلحة الوطنية علي المصلحة الشخصية والحزبية وإلا ستخسرون جميعا الوطن ثم السلاح الذي في أيديكم ثم ستخسرون أنفسكم ..

اللهم إني بلغت اللهم فشهد ...



سالم البرغوتي

0 تعليقات:

إرسال تعليق