الخميس، 6 فبراير 2014

إستنساخ التطرف


تعاني البلدان العربية من موجه تطرف منذ عقود ولازالت ، ولقد حاولت الانظمة الحاكمة والمؤسسات المدنية الحد من نزعها دون معرفة الاسباب الحقيقية لها ، وفيما يلي نلقي الضوء على ما نعتقده أسباباً حقيقية لهذه الظاهرة ومعرفة جذورها الضاربة في تاريخنا الاسلامي وهل نحن بحاجة لمراجعته والفصل بين السياق التاريخي للامة والشريعة الاسلامية.

التعامل النبوي مع هذه الظاهرة :
كان النبي عليه أفضل الصلوات والتسليم لايترك موقفا ينم عن تطرف إلا وصححه وحذر المجتمع منه ووضع ضوابطاً لضمان عدم تكراره ، وقد كان التعامل النبوي حازماً وواضحاً مع بعض الحوادث التي وقعت في حياته فهو زجر اسامه بن زيد لما قتل رجلاً في أحدى المعارك بعد أن تلفظ بالشهادتين ، فقد قال له ( أقتلته بعد أن قالها ) فرد اسامه ( ماقالها إلا تقيه ) وهنا حدد التبي الكريم قاعدة مهمة في التعامل وهي - الاخذ بالظاهر - قائلاً له ( افلا شققت على قلبه ) ، كما حدد لنا في تعامله مع الرجل الذي قال له ( أعدل ) وقد قال لنا الرسول الكريم ( يخرج من ضئضي هذا قوم ... الخ ) ولئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد ، فهو لم يقتل الرجل لفكره المتطرف لكنه حدد لنا الافعال التي توجب التصدي لامثاله وهي ارتكاب فعل ( القتل ) تجاه المجتمع.

كما أن أخباره لحذيقه ابن اليمان بأسماء من يضمرون النفاق - وهو فعل يوجب الرده - دون أن يأمر بقتلهم أو حتى محاكمتهم وهم كانوا يشكلون تنظيماً سرياً يعمل ضد كيان الدولة الاسلامية في المدينة ، هذه الامثلة الثلاثة وغيرها كثير تبين لنا قواعد مهمة لو أحسنا زرعها في الاجيال القادمة لحفظناها من ظاهرة التطرف ، بدلاً من تدريسهم مواقف تاريخيه تكمن في عقلهم الباطن وتخرج في وقت ما لتشكل أساساً لتطرفهم.

أحداث تاريخية وليست مواقف شرعية :
كتب التاريخ الاسلامي وحتى كتب الفقه ملأ ببعض الحوادث التي هي بالاساس مواقف لها أسبابها المذهبية والعرقية والسياسية ولكنها لاتستند على أساس متين من الشريعة مثال ذلك القصة المشهورة التي تذكر على سبيل المدح في التعامل مع المخالفين - الضالين - قصة التعامل مع ذبح خالد القسري للجعد بن درهم - على عتبات المنبر صبيحة عيد الاضحى ، وقد قال قبل أن يذبحه ياأيها الناس ضحوا فإنني مضحي بالجعد بن درهم ، وهي حادثة مشهوره لايزال بعض الدعاه يذكرونها في خطبهم على سبيل المدح دون أن يكلفوا أنفسهم التحري عن الاساس الشرعي لها ، ولنا أن نتصور كيف تستقر هذه الحادثة - الشنيعة - في ذهن الطفل أو المراهق،

 خاصة عندما يجد أعلاماً كباراً مدحوا هذه الجريمة دون سند من الشريعة فهذا أبن القيم يمدح خالد القسري في نونيته قائلاً :
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان
فمتى جنح نحو التطرف ظهرت هذه الحادثة من عقله الباطن لتتحول الى تطبيق عملي ، ولقد عشنا حالات ذبح يفخر فيها شباب مسلمون بذبح ضحاياهم أمام الكميرات وسط صيحات التكبير ظناً منهم أنهم بهذا الفعل يكونون خير خلف لخير سلف .
الواجب على العلماء والدعاه والمؤسسات التعليمية التفطن لهذه الاحداث وفصلها عن كتب الفقه والعقائد وإن اضطر لسردها فتسرد في أضيق الحدود مع بيان الموقف الشرعي المرتكز على ثوابت الشريعة منها.

الخطاب الديني المرتكز على أساس سياسي لا شرعي :
إرتباط الخطاب الديني بالتوجه السياسي لبعض الدول كدرس من روح الانقسام في بعض المجتمعات الاسلامية ذات التنوع المذهبي أو الديني بل وتعداها لغيرها عبر تصدير الخلاف السياسي على أنه خلاف فقهي أو عقدي بل وتعداها الى غيرها من المجتمعات عبر سياسة تصدير المشاكل.

فمثلاً نلحظ أن الخلاف السياسي بين نظامي عبدالناصر وال سعود خلال عقد السبعينات شهد إستقبالاً لاعداد كبيرة من معارضي نظام عبدالناصر سواءً من حركة الاخوان المسلمين أو غيرها ولو لاحظنا الخطاب الديني في السعودية في تلك الحقبة لما وجدنا حالة الخصام الحادة التي تشهدها حقبتنا الحالية بين التيار السلفي الوهابي وحركة الاخوان المسلمين خاصة والاسلام السياسي عامةًً ، كما أن الموقف السياسي من الاجتياح السوفيتي لافغانستان في سبعينات القرن الماضي تبعه خطاب ديني حرض الشباب في عدة بلدان للتطوع في الجهاد هناك - قبل أن يسمى لاحقاً إرهاباً - وقد تجنب الخطاب الديني - الموجه - في تلك الحقبة الحديث عن الاختلاف المذهبي وثقافة التصنيف الفكري المنتشرة حالياً ، فكان الشباب العربي السني وحتى السعودي يذهب للقتال في صفوف المجاهدين الافغان السنة والشيعة على السواء.

لكن مع إنتهاء فترة الحكم الناصري وإضمحلال المد العروبي المعادي للنظام الملكي في السعودي ، وإنهيار النظام الشيوعي السوفيتي الداعم للانظمة والاحزاب الاشتراكية في المنطقة العربية ، اتخذ النظام السعودي موقفاً معادياً من الحركات التي كان مستضيفاً لها في وقت مضى خاصة مع حالة الانقسام العربي التي اتبعت اجتياح العراق للكويت .
وظهر خطاب ديني مدعوم من السلطة السياسية في السعودية يرتكز على منابذة الفرق الضالة - حسب وصفه - وتبني موقف معادي لها ، وتصدير هذا الموقف للبلدان العربية ، وقد صور هذا الخطاب الديني على أن الخلاف بين الدولتين السعودية والايرانية أساسه خلاف عقدي بين فرقة ناجية وأخرى ضالة ، وعمق هذا الخلاف من ظاهرة الاحتقان بين السنة والشيعة وما أن بدأت الثورة السورية - التي هي بالاساس قائمة على مباديء تحقيق العدالة وليس على أساس مذهبي او عقدي - حتى ظهر خطاب موجه صور الثورة السورية على انها حرب بين أهل السنة الاخيار والشيعة الاشرار وارتكبت بسببه عدة مجزار داخل الاراضِ السورية وخارجها ،حتى شهدنا حالة ذبح لمواطن سوري بمدينة درنة الليبية التي يقيم فيها منذ عقود لا لشيء إلا في حالة انتقام من افعال شيعة العراق تجاه اعدام شبان ليبيين هناك ، ولانغفل أيضاً الخطاب الايراني المضاد الذي دأب على إستخدام الخطاب الديني التحريضي في مواجهة خصوم السياسيين.

ولو تمعنا قليلاً في سلوك النظامين السعودي والايراني لوجدناهما يحملان تناقضاً كبيراً يوضح أن الدين يوظف لخدمة السياسة وليس العكس ، فالدولة السعودية ربطها علاقة متينة بالسلطنة العمانية ذات المذهب الاباضي - الخارجي - وعلى الرغم من ان المؤسسة الدينية السعودية تتبنى كشف الفرق والطوائف المخالفة إلا أنها تتجنب الحديث عن السلطنة ، كذلك تفعل الدولة الايرانية فهي تربطها علاقة جيدة بالسنة الاكراد.

ولا شك أن هاتين الدولتين لعبتا ولاتزالان الدور الاكبر في تغذية موجه التطرف بما لهما من حظوة دينية لدى المذهبين السني والشيعي.

التطرف ليس هو حالة القتل والاغتيال بل تظل هذه الافعال صور نهائية للتطرف أما التطرف فحسب وجه نظري هو التحريض على هذه الافعال بالتصريح أو التلميح ، فمن يعتبر ممارسة العمل البرلماني كفراً وردة ، ولايرى نظاماً إسلامياً سوى النسخة السعودي هو مرتكب لفعل التطرف حتى وإن استهجن اغتيال البرلمانيين أو العسكريين في وقت لاحق .



عبدالمنعم الشوماني



0 تعليقات:

إرسال تعليق