الجمعة، 8 نوفمبر 2013

الهجرة غير الشرعية .. المخاطر و التكلفة المادية و البشرية



قضية الهجرة غير الشرعية اصبحت تطرح نفسها بعمق في الواقع الليبي خاصة في ظل التردي الأمني وما يترتب على هذه الهجرة من مخاطر ومشكلات وأضرارا وتكلفة بشرية ومادية من جرّاء وجود المهاجرين في الكثير من المدن والمناطق الليبية قبل رحيلهم الى جنوب اوروبا أو قبل ترحيلهم الى بلدانهم، ومن خلال تتبع واقع الهجرة غير الشرعية التي تتخذ من الاراضي الليبية ممرا للعبور ومن الشواطئ و السواحل مركزا للانطلاق نحو اوروبا وعلى وجه الخصوص نحو ايطاليا و مالطا واليونان وجنوب فرنسا واسبانيا، يمكن إدراج سبب ذلك التدفق من المهاجرين إلى ليبيا باعتبارها الحلقة أوالمنطقة الجغرافية الاضعف من بين دول الشمال الافريقي وكونها تعيش حالة من الاختلال الامني العام .

تاريخيا ،كان القذافي أول من فتح الباب على مصراعيه لرعايا الدول الافريقية للإقامة في ليبيا و لاستخدامهم في ابتزاز الدول الاوروبية وأيضا لخدمة اهدافه و تطلعاته وتكريس زعامته في العديد من هذه الدول، فمن جانب كان يقوم بتدريب الآلاف منهم على حروب العصابات بهدف التدخل في الشؤون الداخلية وتهديد أمن هذه الدول حيث قام القذافي بإنشاء ما يسمى بالفيلق الافريقي وخلق انظمة تدين بالولاء له، ومن جانب آخر تم في السنوات الاخيرة استخدم بعض هؤلاء المهاجرين كاحتياطي عسكري في مواجهة أي طارئ أو أي احداث ضد نظامه وهذا ما حدث بالضبط اثناء اندلاع ثورة 17 فبراير .
تمثل الدول الافريقية أكبر مصدر للهجرة غير الشرعية إلى اوروبا من سيراليون والسودان والصومال واريتريا وبورندي وانغولا وغيرها بالإضافة إلى اولئك المهاجرين من دول شمال افريقيا من مصر والمغرب وعدد صغير من تونس أو من بقية الدول العربية في اسيا مثل: العراق وسوريا ولبنان.

وتتسبب الاوضاع الاقتصادية ا في الدفع بأعداد كبيرة من المهاجرين اغلبهم شبابا من الجنسين إلى الهجرة حيث يخاطرون بحياتهم حالمين بتحقيق مستوى معيشي أفضل فمنهم من يصل إلى وجهته سالما ومنهم من تم انقاذه من الغرق، ومنهم من لم يحالفه الحظ وأصبح جثه هامدة وابتلعته مياه البحر الابيض المتوسط ، وتعد البطالة وانعدام فرص العمل والفقر وتدني مستوي المعيشة وغياب التعليم وانخفاض مستوى الخدمات العامة للمواطنين، والانبهارالاعلامي من خلال الفضائيات التى تظهرالظروف المعيشية العالية ومستوى الرفاهة التي تعيشها الدول الاوروبية، من اهم الاسباب المشجعة على الهجرة فرحلة البحث عن الستقبل هي الهاجس الدائم الذي يسكن هؤلاء المغامرين، ويدفعهم إلى ركوب المجهول فراراً من واقعهم المرير والمحدود
هناك ايضا الهجرة السياسية بسبب النزعات السياسية والحروب، فالاحداث الدامية في سيراليون ومشكلة جنوب السودان التى انتهت بالانفصال ودار فور والصراع في الصومال ومشكلة اريتريا مع اثيوبيا والحرب في انغولا والكنغو شجعت اعدادا كبيرة إلى الهجرة ، و منذ الثمانينيات اسهمت النزاعات الطائفية في لبنان والحرب في افغانستان والعراق إلى موجات من الهجرة غير الشرعية إلى بقاع ومناطق مختلفة من العالم.

اما عن المخاطر فهي تشمل الكثير من الابتزاز بالإضافة إلى التعرض للاعتقال من قبل السلطات الرسمية، وتجارة المهاجرين غير الشرعيين في إطارما يعرف باسم الاتجار بالبشر، واستخدامهم كعمالة رخيصة بأجور متدنية للغاية وحرمانهم من أي حقوق أو مزايا مالية و صحية، وكذلك تعرض العديد من المهاجرين للاعتداء والتحرش الجنسي، وسرقة اموالهم ومقتنياتهم ، ولعل اشد هذه المخاطر هو الموت في مرحلة التنقل عبر الصحراء في وسائل غير مناسبة أو في البحار اثناء نقلهم في قوارب ومراكب غير ملائمة لنقل اعداد كبيرة، وقد دفعت اعداد هائلة من المهاجرين ارواحها في البحر الابيض المتوسط ،ولعل الكارثة الاخيرة حيث تم غرق اكثر من 370 مهاجر ونجاة نحو 160 مهاجرا لهو خير دليل على حجم المخاطر ولم تمض سوى ايام قليلة على هذه الحادثة حتى غرق اكثر من 50 شخصا اخر ولعل هذا العدد المتزايد من الضحايا يدق ناقوس الخطر لما يتعرض له المهاجرون غير الشرعيين في سعيهم المستميت ومحاولة وصولهم إلى الشاطئ الجنوبي لغرب اوروبا .

التكلفة المادية والبشرية تتحمل ليبيا بسبب الهجرة غير الشرعية تكلفة مادية في عمليات الايواء والكساء والإعاشة والترحيل إلى البلدان التي ينتمي إليها المهاجرون فقد اصبحت معظم المدن الليبية تكتظ بهم وانتشرت مراكز الايواء في اغلبها ،سواء كانت مدن صغير أو كبيرة ، فضلا عن ظهور عدد من المشكلات التي تنشأ بسبب الاختراقات الأمنية والجرائم التى يرتكبها بعض هؤلاء المهاجرين، من سرقات وقتل واعتداءات جسدية على المواطنين خاصة الذين يقطنون في المناطق النائية والمزارع البعيدة عن التجمعات السكانية، فقد دفع عدد لا بأس به من الليبيين حياتهم بسبب الجرائم التي تعرضوا لها من قبل المهاجرين خاصة الأفارقة، وفي نفس السياق هؤلاء المهاجرين تسببوا في نقل امراض خطيرة كمرض نقص المناعة والوباء الكبدي بسبب غياب أي نوع من انواع الكشف والمتابعة سوى في بعض مراكز الإيواء، بينما المهاجرين الذين لم يلق القبض عليهم وينتشرون فى انحاء البلاد ويعملون في مختلف الوظائف والمهن كالمطاعم والمخابز والورش ومحلات البقالة والجزارة ومجازر الدواجن وغيرها من الوظائف والمهن لا توجد بشأنهم احصائيات دقيقة ولا معرفة بالأمراض التي يحملها بعضهم، ولاقاعدة بيانات عنهم إذا ما كانوا من اصحاب السوابق والجرائم أم لا في بلدانهم الاصلية التي جاؤا منها .

إن ليبيا لم تتعرض أبان حكم القذافي سوى لبعض الضغوط الاوروبية البسيطة من جرّاء مشكلة المهاجرين غير الشرعيين، بل إن القذافى كان الاقدر في استخدام سلاح المهاجرين ضد بعض الدول الاوربية وقد تأكد هذا في اكثر من خطاب سابق له ، ولكن بعد ثورة 17 فبراير وحالة التسيب والانفلات الأمني وعدم قدرة السلطات الرسمية على فرض سيطرتها على كامل الحدود الليبية بفاعلية ضاعف وزاد من حجم الهجرة غير الشرعية ومن الضغوط الاوروبية على ليبيا.

إن الأمر الاكثر خطورة وإلحاحا في مشكلة المهاجرين غير الشرعيين هو مسألتي تهريب المخدرات والسلاح الذي لا يهدد أمن واستقرار ليبيا فحسب ، بل أمن واستقرار المنطقة برمتها وبالتالي فإن الجهات الليبية المسؤولة عليها الاسراع بوضع استراتيجية وطنية للسيطرة على كافة الحدود الليبية وتطوير منظومة مراقبة الكترونية واستخدام طائرات استطلاعية وبناء مراكز ونقاط حدود ثابتة ومتحركة وتزويدها بأحدث الاجهزة والمعدات وتسيير دوريات عسكرية لمنع أو على الاقل الحد من الهجرة غير الشرعية عبر الاراضي الليبية، وبما أن المشكلة لا تخص ليبيا وحدها فيمكن للسلطات الليبية عقد سلسلة من الاتفاقيات مع الدول المجاورة والتعاون معها للحد من الهجرة ومراقبة الحدود المشتركة، كما أن ليبيا عليها ألا تتحمل وحدها اعباء وتكلفة حل هذه المشكلة بل لابد من مشاركة دول الشمال الافريقي والدول الاوروبية المطلة على البحر الابيض المتوسط التي تعاني من مشكلة الهجرة غير الشرعية في المشاركة في حلها وتحمل تكلفتها أو جزء لابأس به من تكلفتها .

خاتمة:
إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية قد تحوّلت إلى مشكلة اقليمية ودولية، وحرب مفتوحة بين المهاجرين المغامرين ومافيا التهريب من جهة، وبين أوروبا وعدد من الدول الإفريقية التي يقدم منها المهاجرون، أو يمرون عبر أراضيها، فقد أصبح من الواضح أنها أكبر حجماً من أن تواجهها ترسانة أمنية لدولة واحدة بمفردها بل تحتاج إلى تعاون اقليمي ودولي، وتحتاج ايضا إلي حزمة قوانين واتفاقيات بين مختلف الدول الاقليمية والدولية، فالمافيا التي تعمل في الخفاء لها دائماً القدرة على اختراق النظم والدوائرالرسمية والبحث عن مواطن الضعف الامنية والجغرافية
إن الأمر يحتاج إلى نوع من التعامل الإيجابي، الذي يتناول جذور المشكلة، ويسعى إلى إنهاء أسبابها، الاقتصادية والتنموية والصراعات والحروب السياسية والدينية والعرقية، إنها قضية ذات ارتباطات متعددة، أخلاقية في المقام الأول، ثم تنموية، واستراتيجية، وتتطلب تعديلاً في النموذج الأخلاقي الذي يسود العالم في ظل هيمنة الرؤية المصلحية.



عبد المنصف البوري

0 تعليقات:

إرسال تعليق