الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

تغييرالمشهد السياسي



كم كنت أتمنى أن أكتب هذا المقال ولست عضوا بالمؤتمر الوطني العام حتى يتلقاه القاريء  بمعزل عن أية مؤثرات سواء كانت سلبية أو إيجابية. ولكنني أتعشم أن يدرك القارئ أنني – كما كنت دائما- أتوخى الصراحة فيما أقول وأكتب، وأحاول ما استطعت أن لا أبتغي مما أكتبه إلا صدق النصح لأهلي وإخوتي أبناء وبنات وطني.

من نافلة القول أن وطننا يواجه أزمات وصعوبات جمة. ليس فقط في الطريق نحو بناء الدولة، ولكن حتى في الحفاظ على الهوية والوحدة الوطنيتين. تعددت أسباب التهديد، كما تعدد المتسببون فيها. بعضها قد تكون خارجة عن إرادتنا، وبعضها الآخر من صنع بعضنا. كان يجدر بنا أن نقاوم ما هو خارج عن إرادتنا ونعيده ضمن مقدرتنا لنتعامل معه بطريقة صحيحة. وكان يجدر بنا أن نضرب على أيدي كل من يتسبب في تعويق مسيرة الوطن، مهما كان موقعه ومهما كان دوره في الثورة. لكننا في الواقع تركنا كل ذلك يكبر حتى أصبح صعبا إن لم يكن مستحيلا أن نتعامل مع الأسباب والمسببين دون خسائر ودماء ودون تعريض الوطن لمزيد من المخاطر. وفي خضم التحديات والمصاعب ربما نتساءل هل هي معركة حتمية كان لابد من خوضها وقمنا بتأجيلها؟ وهل تأجيل خوضها زاد من مصاعبها ومن خسائرها ومخاطرها المتوقعة؟ بل السؤال الأخطر هل فات الوقت لحسمها لصالح الوطن .. أم مازال هناك متسع؟

كل هذه التساؤلات تصاحب كل من يفكرفي إنقاذ الوطن. قد لا يكون الوقت مناسبا لتبادل الاتهامات، لكننا نرى الاتهامات يتم تبادلها بين أبناء الوطن عن حق وعن باطل. وقد لا يكون الوقت مناسبا للتحسر ندما على الفرص التي فاتت. لكن نظرة إلى مجريات الثورة وما صاحبها وتمخض عنها مهم كي ندرك كيف نشأ المشهد الحالي ومن أي رحم  تولد؛ ما قد يسعفنا في التوصل إلى حلول.

عندما انطلقت شرارة الثورة الليبية هب الليبيون من كل حدب وصوب، وتظافرت جهودهم وقدموا العزيز الغالي في صور رائعة من البذل والعطاء والتضحيات. إلى هذه الوقفة الجماعية يُعزى انتصار الثورة، وبدونها ما كان للثورة أن تنطلق أصلا، فضلا عن أن تنجح وتنتصر. لهذا ما كان ليجوز لأي طرف –مهما كان- أن يدعي أنه هو من فجر الثورة أو كان له الدور المعلى فيها. لكن العكس هو الذي حدث، ورأينا التزاحم على استخدام عبارة "أنا أول من فعل كذا وكذا"، وأنا من أسقط الطاغية، وأنا من جلب الاعترافات الدولية ... وغير ذلك من محاولة نسبة هذه الثورة ونجاحاتها إليه أو إلى مجموعته. ثم استتبع ذلك المطالبة بمختلف أنواع الاستحقاقات المترتبة على هذه الادعاءات، وللأسف تمت استجابات لهذه المطالب على أنها وقتية وتقتضيها المرحلة. لكن هذه المطالب تراكمت واتسعت وتضخمت ثم أصبحت استحقاقات دائمة، حتى وإن كانت لا تستند إلى مشروعية. لم ترهق فقط الخزانة العامة، ولكنها أرهقت القرار الوطني، وأدت إلى ارتهان الإرادة الوطنية، وكبلت المشهد السياسي.
الثوار الذين خاضوا أتون المعارك يعدون بالآلاف، بعد التحرير تم تكوين كتائب وتشكيلات عسكرية ليتضخم عدد الثوار ويصبح عشرات الآلاف إن لم يكن مئاتها. وبقدر تنامي عدد الثوار تنامى عدد ونوعية السلاح في الشوارع، وتنامت المطالب، وتنامى الشعور بما يتيحه هذا السلاح غير المنضبط لصاحبه. كثير من الثوار الذين شاركوا في مع ارك بنغازي والربيقه واجدابيا عادوا إلى بيوتهم بعد التحرير، وكثير منهم بقي يحمل السلاح ولكنه أصبح أقلية بين الأعداد المتنامية. هؤلاء لم يعودوا يرضخون لسلطان الدولة، ومعظمهم كاشفها العداء إن لم تستجب للمطالب المتتالية، رأيناهم يحتلون الوزارات والمؤسسات، ويستعرضون العضلات من حين لآخر، لم يعد في الإمكان التفريق بين الثائرالحقيقي وغيره.

عندما قامت الثورة كان الهدف المعلن هو إسقاط الحكم كله، لا إسقاط رأس هذا الحكم فقط. وبالرغم من نجاح الثورة وانتصارها، إلا أن هذا الهدف لم يتم تحقيقه. رأينا أركان النظام يهربون .. بل يتم تهريبهم، ورأينا عشائر تحمي من ينتمي إليها من عتاولة اللجان الثورية ومجرمي حقبة الطاغية، فلا أحد يستطيع أن يمسهم، ورأينا أكابر المجرمين يلبسون أردية الثوار ويزايدون على الثورة، ورأينا تغلغل أعضاء الحكم المنهار في مفاصل الدولة. كان صوتهم خافتا في البداية ولكن تدريجيا عادت الدولة مجددا في أيديهم، قوانين الطاغية سارية ومطبقة، وأسلوب العمل لم يتغير، وهم من يحتلون الإدارات العليا والوسطى ويساهمون في تعطيل المسيرة.

الذين هربوا من أعوان الحكم المنهار كانوا يحوزون على أموال هائلة إما هرّبوها معهم أو كانت تنتظرهم في المصارف الدولية. تُرك هذا الملف بدون متابعة ردحا من الزمن كان كافيا لتمكينهم من تثبيت أنفسهم في إقامات مريحة وآمنة، وكافيا للقيام بالترتيبات التي تخفي الأموال التي نهبوها وتجعلها بعيدة المنال. هؤلاء الفلول والأموال التي بحوزتهم هم ركيزة المصاعب والمخاطر التي تواجهها بلادنا في مجال الاستقرار والأمن، يتعاون معهم بقايا الحكم المنهار في الداخل، ويتعاون معهم –بإرادة وغير إرادة- أصحاب الأجندات غير الوطنية، وأصحاب المصالح الآنية الضيقة. هذه الركيزة تعمل على توسيع شقة الخالف حول كل المواضيع المتداولة، وللحيلولة دون استقرار الدولة عن طريق شن حرب نفسية هدفها زعزعة الثقة بين أبناء الوطن، وبين المواطنين والمؤتمر، وبين كل أطراف العملية السياسية في البلاد. تستخدم في ذلك أدوات متعددة بما فيها الإشاعات، و بعض أجهزة الإعلام سواء الموجهة إلى ليبيا من الخارج، أو تلك التي تحمل أسماء ليبية.

نتج عن ذلك تهلهل النسيج السياسي الضعيف أصلا، وتوزيع الاتهامات عن المسؤولية. لكن علينا أن ندرك أن المشهد السياسي المتأزم اليوم ناتج عن كل الاسقاطات والسقطات التي حدثت منذ تفجر الثورة حتى يومنا هذا. لا يمكن إلقاء اللوم فقط على المجلس الانتقالي أو المؤتمرالوطني أو الحكومات الانتقالية الثلاث، فكلها ذات نصيب في رسم المشهد، وربما النصيب الأوفر. لكن بدون شك فإن هناك مسؤولية جماعية عن هذا المشهد يشترك فيها الليبيون جميعا )مؤسسات المجتمع المدني، الثوار، القبائل ...الخ(. إن الأسباب المؤدية إلى الخروج من المأزق هي نفسها التي أدت إلى نجاح الثورة وانتصارها؛ أن يتكاثف الليبيون ويطرحوا وراءهم كل الخالفات، وأن يضعواجانبا كل المصالح الضيقة الشخصية والحزبية والقبلية والجهوية، وأن يعملوا جميعا من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا.



ابراهيم صهد

0 تعليقات:

إرسال تعليق