الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

ليبيا بين مسارين



لم يعد الأمل كما كان في بداية الثورة لكن المرجو اليوم ألا ينقلب الحال إلى نكسة، إذ أننا لا زلنا أمام خيارين أزعم أننا نخبر نتيجتهما مسبقا.
ولأنني لا أعول اليوم كثيرا على التمسك بالمسار الديمقراطي بين اللاعبين السياسيين في ليبيا كضمان للتحول المنشود للبلد، فإن ما حدث في مصر جدير بالتأمل بعد أن أظهر ذلك البون الشاسع بين الشعارات التي ترفع حين الراحة وكيف تداس عند المماحكة السياسية. 

فإذا كان ذلك حال بلد لها عراقتها في العرف الدستوري، فكيف بالتي لم تمض الحياة الدستورية بها حتى مرت بعقود أربعة كانت فيها أبعد ما يكون عنها شكلا ومضمونا. (يذكر أن أول دستور في مصر كان عام 1883 في عهد الخديوي إسماعيل .)
وإن أضفنا عديد العوامل الأخرى كحداثة التجربة السياسية في عمومها بليبيا، وحالة الصراع التي سرعان ما انتقلت بين موالي النظام وموالي 17 فبراير، إلى الأخيرين فيما بينهما بقدر متساوٍ في التخوين والإقصاء، فإن المخاوف تتضاعف والأمل أيضًا يزداد ضآلة وتواضعا.
وبالرجوع إلى التأمل في الحالة السياسية الناشئة إثر الربيع العربي، فإنه باستطاعتنا تمييز نموذجين وإن تشابها في الشكل والزمن، لكن المضمون قد اختلف، وبات بوسعنا التنبؤ بمستقبلهما القريب، إذ أن لكل منهما طريقه وعلاماته الدالة. بالتأكيد أعني النموذجين المصري والتونسي.

فبصرف النظر عن فوز الإخوان في مصر في ستة استحقاقات ديمقراطية على التوالي بعد سقوط نظام مبارك، إذ حققت الجماعة فوزا 43% في مجلس الشعب 2012 وما تلاها من انتخابات مجلس الشورى، وجولتي الرئاسة، واستفتائي الدستور، لكن ذلك لم يكن كافيا في انتهاج المغالبة السياسية بدلا عن المشاركة، والتي إن حافظت عليها الجماعة في الظاهر إلا أنها قد أخفقت في تعميقها مما سهل اقتلاع كل ذلك في أول ريح مضادة.
أما التجربة التونسية فقد وصفت من العديد بأنها أقرب للنضج بعد أن ابتعدت عن نهج المغالبة بالترويكا الحاكمة التي أحدثتها النهضة، فكانت صمام الأمان الذي صمد على الأقل إلى الآن أمام ذات الرياح التي هبت على مصر بتوسيع دائرة المشاركين في السلطة وبالتالي المدافعين عنها والمحافظين عليها على الرغم من تقارب نتائج الانتخابات بين النهضة في تونس والحرية والعدالة في مصر. (يذكر أنه في 18 شهر شهدت تونس ما يقارب 35 ألف إضراب ).

تلك الترويكا التي بنيت على تحالف بين النهضة وحزبي التكتل والاتحاد من أجل الجمهورية وتوافقت على أن يكون للأول رئاسة البرلمان، والثاني رئاسة الجمهورية، لم يعيق لا الاختلاف الأيديولوجي بينها ولا التفاوت في القوى داخل البرلمان دون تحقيق تلك الشراكة. (النهضة فازت بأكثر من 41% من البرلمان في حين أن كلا من التكتل والاتحاد لما يتجاوزا سويا % 12
صحيح أن الجيش في تونس أثبت بعده عن العملية السياسية، لكن في الوقت ذاته لا أعتقد بأن صمام الشراكة قد كان أمرا فرضته نتائج الانتخابات، فأتصور بأنه قد خطط له مسبقا من قبل النهضة التي شارك بعض من كوادرها في الحملة الانتخابية للمرزوقي فضلا عن انتماء أعضاء عن حزبه في البرلمان لحركة النهضة.

ومن هنا أزعم بأن قدرا كبيرا من الارباك الحاصل في ليبيا بسبب من ذلك، أي من عدم اتساع دائرة المشاركين في السلطة، وبالتالي غيابهم عن الدفاع عن العملية السياسية ومخرجاتها، إن لم نقل مساهمة البعض منهم في عرقلتها والتآمر عليها أيضًا .
فلن أستكثر ربط ذلك بعدد من الأزمات التي تُفتعل هنا وهناك، فإذا شعر طرف أنه خارج السلطة وأن العملية الديمقراطية ليست بالنضج الكافي على الأقل بالنسبة له بما يضمن تداوله مع خصومه على السلطة والمعارضة، فمن الطبيعي أن يفكر في عرقلتها ليفرض لنفسه مشاركة بعيدة عن معايير الديمقراطية التي تعكس الوجود على الأرض.
فلك أن تتخيل أن هناك طرف سياسي قد حقق أصوات مرتفعة في الانتخابات بسبب شعبية قيادته، إلا أن السلطة الناجمة عن ذات العملية السياسية التي فاز فيها قد عزلت تلك القيادة فلم يكفيه نفوذه في الحكومة اليوم، فبات يبحث عن وجود في السلطة يكفل له الرمزية أيضًا، وبالتالي سيتماهى بسهولة مع دعوات وقف العملية السياسية وإعادتها إلى المربع الأول.

ليس هو وحده فالقوى المجتمعية التي تكونت إبان عهد القذافي تحت مسميات مختلفة كالقيادات الشعبية واللجان المحلية (الحكم المحلي) على مستوى البلد ظلت هي أيضا بعيدة عن المشاركة في السلطة، وأظن أيضا بأن بعض الأصوات المتعالية بالمطلب الفيدرالي شرق البلاد قد وجدت في عدم المشاركة في السلطة ما يسهل الدعوة لإيقاف العملية السياسية بإسقاط المؤتمر الوطني مثلا .
ربما يعتبر البعض هذا التبرير فيه قدرا من التغاضي عن الجزء الآخر من الصورة، إلا أن الحديث في ظل هذه الظروف يستوجب قدرا من التفهم الذي يمنح الأطراف التي تدعو إلى التأزيم إلى العودة إلى الجماعة الوطنية والمشاركة.
هذا التفهم يعني العمل بمنطق الحوار وليس المحاسبة، أو قل التعاون في نقاط الاتفاق والتغاضي عن خلاف ذلك ولو إلى حين .
ولعلنا نتذكر أن شرعية التوافق التي حافظ عليها المجلس الانتقالي إبان الثورة تجسدت بصورة أو بأخرى في محاولة إشراك الكل فيه فقد كان يتوسع كل مرة تلبية لذلك، الأمر الذي لم تضمنه العملية الديمقراطية اليوم وحدها.

هذا الواقع في ظل إشارات الاحتراب المتزايدة كل يوم، يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا لما هو آتٍ، إذا لم يتحرك الفرقاء السياسيون في إعادة إحياء ذلك التوافق الذي يضمن توسيع دائرة المشاركة في السلطة حتى يصعد الكل إلى القارب وبالتالي يعملون لأجل سلامته لأن من على الرصيف لن يهتم بذلك بالضرورة.



وليد اللافي


0 تعليقات:

إرسال تعليق