السبت، 25 يناير 2014

انتشار السلاح .. والحلقة المفقودة


أعتقد أن جميع الليبيين يجمعون الآن على أن موضوع ( انتشار السلاح ) ، بل فوضى وسوء استخدامه ، وأيضا استعماله كوسيلة للضغط والمكاسب السياسية ظاهرة سلبية وموقف خاطئ . لأن القناعة الراسخة الآن هي إن الثوار الحقيقيين هم من تركوا - ومنذ تحرير ليبيا - سلاحهم وعادوا إلى سابق أعمالهم وأماكنهم ، وذلك لأنهم رأوا أن واجبهم الوطني ودورهم في التحرير قد انتهى بالانتصار على الطاغية وموته وإنه لا معنى لاحتفاظهم بالسلاح بعد ذلك . وحتى من يدّعي بأنه متمسك بسلاحه لغرض حماية الثورة من السرقة أو من الانحراف عن أهدافها التي قامت من أجلها ، فإن البعض يرى إنه على العكس من ذلك هناك من بين الثوار أيضا من يحاول سرقة الثورة ويشارك في حرفها عن أهدافها وقد صار هؤلاء جزء من المشكلة بدل أن يكونوا جزء من الحل ، فآداء الكثير منهم يعطي الانطباع ، بل أحيانا يؤكد على أنهم قد سرقوا بالفعل جزء من الثورة لصالحهم ، وحتى الجزء المتبقّي – والذي من المفترض أنهم يحمونه ممن يعمل على سرقته – لازال الذين يسرقونه موجودين ، وقد بات الطرفان يعملان بكل جهدهما لسرقة الثورة جنبا إلى جنب وهم يحملون السلاح بدعاوى حمايتها . لذا فأنا أؤكد بأن الحماية الحقيقية للثورة تتمثل في منهج وطريقة تفكير ودور غير هذا الذي يقومون به ، وإنه من الأجدى الآن ترك الجميع للسلاح وتسليمه واستيعاب من يحملونه في وزارتي الدفاع والداخلية أو في أيّة وظائف أخرى ، مع التأكيد على أن دور الثوار الحقيقيون لحماية الثورة لا يجب أن يتم بحمل السلاح ، بل بالعمل السلمي مع الجماهير وبكل الوسائل الديمقراطية المشروعة . لكن الحلقة المفقودة تتمثل في أننا لطالما سمعنا من ( حاملي السلاح ) القول باستعدادهم لتركه حالما تكون مؤسسات الدولة المعنية وهي ( وزارتي الدفاع والداخلية ) جاهزتان لذلك ، سواء بتوفير أماكن لتخزين السلاح الثقيل والخفيف ، وأيضا باستيعاب كل الراغبين من حاملي السلاح في الانضواء تحت سلطة هاتين الوزارتين . كما إننا لطالما سمعنا في الآن نفسه تصريحات لوزيري الدفاع والداخلية تعبّر عن رغبتهما والتأكيد على استعداهما لذلك سواء بتوفير أماكن للسلاح أو بإعدادهم للخطط والبرامج ورصد الميزانيات لاستيعاب المنتسبين من المسلحين . لكن مع ذلك فإن المسألة لازالت عالقة ومستمرة بدون حل ، وهذا أمر في الحقيقة يقلق الجميع ويؤرقهم ويثير الاستياء عند شعبنا الذي خرج في مظاهرات عارمة مطالبا بذلك ، مع أن الحكومة نفسها أطلقت وعودا متكررة بأن الأمر سيسوّى قريبا ، بل وصل الأمر إلى إن حددت تواريخا لذلك ، ومرّ الموعد تلو الموعد ولم يحدث شئ واستمر بقاء السلاح في أيدي الكتائب والسرايا ، بل إن الأمرّ من ذلك إننا بتنا نسمع من آن لآخر تصريحات لبعض قياداتهم تمثّل تعديا وتجاوزا للسلطة الوطنية الشرعية ممثلة في المؤتمر الوطني والحكومة المؤقته ، وكما لو أنهم يعتبرون أنفسهم فوق السلطة وفوق إرادة الشعب ، ودون شك فإن هذه المواقف تنبع من إحساس هؤلاء الأمراء بقوتهم النابعة من السلاح الذي يمتلكونه والأفراد الذين يتبعونهم ، وليست شرعية شعبية أو قانونية نابعة من كونهم يمثلون المطالب المشروعة لشعبنا كما يفترض أن تكون ، وبالطرق والأساليب الديمقراطية المشروعة كما قلنا سابقا ، والغريب أنه لا المؤتمر الوطني ولا الحكومة المؤقتة حركا ساكنا لضبط هذه الأوضاع ومعالجة هذه التجاوزات والخروقات الكبيرة والتي تهدد مسار الثورة برمّته لو استمر الوضع على ما هو عليه الآن ، ولو كان ذلك بالتهديد أو حتى بالإدانة القوية وعدم القبول بما يعتبره بعض المسلحين للأسف الشديد ( بالشرعية الثورية ) ، هذا الشعار المسيء والذي رفعه الطاغية طوال فترة حكمه ، فلا شرعية إلا للشعب ووفق آليات العمل الديمقراطية والسلمية البعيدة عن قوة السلاح ، مع ضرورة تحريم حمله إلا على الجهات الرسمية ( وزارتي الدفاع والداخلية ) ، وليست التي تدّعي إنها رسمية . لذا فإن الطلب الملح الآن هو الإجابة عن : ما هو السبب الحقيقي في عدم إنهاء هذه الظاهرة ( الأزمة ) حتى الآن ، إننا نريد أن نعرف ( وبشفافية تامة وصراحة ووضوح ) ، هل وزارتي الدفاع والداخلية فعلا غير جاهزتين بعد لاستلام السلاح واستيعاب من يحملونه ؟ ، أم أن المسلحين - رغم ( ادعائهم ) بأنهم مستعدون لذلك ، لا بل يرغبون في تسليم سلاحهم والانضمام لهاتين الوزارتين - هم في الحقيقة لا يريدون ويستمرون في المماطلة والتسويف ، والسؤال الجوهري هو لماذا !!؟ ، وكيف يمكن السماح بهذا !!؟. دون شك نحن لا يمكننا أن نقبل أن أحدا من الثوار يريد أن يكرر أو يعيد إلى أذهاننا ذلك المصطلح سيء السمعة ( الشرعية الثورية ) ، والذي رفعه الطاغية شعارا لديكتاتوريته واستبداده وحكمه لنا بالحديد والنار ، هذا الشعار الزائف الذي قامت الثورة من أجل إسقاطه . إذ الشرعية الوحيدة يجب أن تكون للشعب وحريته وللديمقراطية التي أنتجت ممثليه ، ولا أحد يحق له أن يدّعي الوصاية على هذا الشعب العظيم والتحدّث باسمه ، لأن الشعب لم يفوّض أحدا ليجعله حارسا على مصالحه وأهدافه التي قامت من أجلها ثورته . لقد قام الشعب بثورته من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية ، من أجل أن يكون صندوق الاقتراع وحده هو المعبّر عن آرائه وطموحاته باختياره الحر لمن يمثله . وكل الجهود يجب أن تنصبّ في العمل الوطني السلمي المخلص والصادق من أجل إيصال البلاد إلى بر الأمان وإيصال شعبنا إلى محطة الدستور المرتقبة ، والصراع الديمقراطي والشعبي والسلمي فقط من أجل إبعاد كل الانتهازيين والمتسلقين ومدّعي الثورة ، وقد بات شعبنا متأكدا أن ظاهرة انتشار السلاح تعيق وتعرقل لا بل وتهدد كل هذا ، إذ أن هذه الظاهرة تهدد السلم الاجتماعي وبناء الدولة مهما ادّعى حاملي السلاح من شعارات حماية الثورة . ونحن لا نفهم هل إن الدولة خائفة أو لامبالية ونحن نرى تلكؤها في التدخّل من أجل حسم هذا الأمر ، وفي كل الأحوال نحن نريد أن نعرف أين هي ( الحلقة المفقودة ) ، ومن حقنا أن نعرف الحقيقة بصراحة وبشفافية تامّة وبعيدا عن الوعود الجوفاء والتصريحات المتكررة بأننا سنفعل كذا وكذا ، وسننهي هذا الملف يوم كذا .



عبدالعظيم قباصة

0 تعليقات:

إرسال تعليق